phases

Saturday, March 10, 2007

التماس ميت


لا أدري ما الذي جاء بي إلى هذا المكان الشديد البرودة؟ أعرف أنني مت ,وأعرف أيضا أن من يموت يكفن ويدفن ولكن شيئا من هذا لم يحدث لي.لقد تغيرت-احم-انتهت حياتي في لحظة من الغفلة حين عبرت الشارع دون أن انظر. لا اذكر سوي صوت الفرامل الحاد و تلك الصدمة الشديدة في رأسي, وأصوات الصراخ المتعالي,ثم انتهي كل شيء وساد الظلام.....ثم عدت. وحيدا عدت. والحقيقة إن الوحدة ليست شيئا جديدا, فمنذ أن بدأ أول تعامل لي مع العالم الخارجي و أنا طفل كان في الملجأ حيث لا أحد يهتم بأحد. وكالعادة هربت وأنا عمري عشرون عاما.عملت في كل شيء .في المحلات والمطاعم وحتى الصيدليات .لم يكن لي قريب اعرفه أو شخص انتمي أو ينتمي لي بصلة. فكانت الوحدة لي أنيس. وكنت دائما أتعجب من هؤلاء الذين يشتكون من الوحدة وعدم وجود من يشكون إليه همهم إلى آخر هذا الهراء.هكذا عشت وحيدا ومت وحيدا...ولكن لما عدت كنت وحدي لا مجرد وحيد في صندوق بارد مظلم والخدر يسري في أوصالي يرعدها-إن كان هذا ممكنا لميت- وبينما أنا كذلك إذا بالصندوق يفتح وأصوات تتحدث.-لم يسأل عليه أحد؟؟-لا من الواضح انه فاقد الأهلية أو مقطوع من شجرة.ابتسمت في سري من تلك الشجرة التي لم اعرف عنها –في حياتي- شيء-لكنه سيصلح حتما انه في حالة جيدة.تساءلت اصلح لماذا ؟؟ ما النفع المرجو من ميت؟؟-هيا تعاونوا معي علي حمله.تركتهم يحملوني-وكأن لي أن امنعهم- وذهبوا بي إلى مكان واسع به عده مبان و دلفوا إلى الدور الأرضي في أحدهم. كانت الدور عبارة عن بهو واسع –لا أدري لماذا انتباني هذا الشعور بان هذا المكان له سمت شيطاني- وعلي جانبيه تصطف عدة أبواب. قام أحدهم بفتح واحد منها. كانت غرفه واسعة بعها عده كراسي وحوض كبير يمتلئ بسائل ذو رائحة نفاذة.-هيا يا علي ابدؤوا حقنه بالفورمالين.ماذااااااااااااااااااااااا؟ قلتها بمزيج من الهلع والدهشة والرعب الذي يليه البكاء.لقد أدركتها كلها الآن أنا في كليه الطب بالتحديد في المشرحة. لقد أصبحت جثة من تلك التي يشرحها آلاف من الطلبة. وياله من مصير أسود الذي ينتظرني ليس الحقن بالفورمالين أسوأها.فتحوا شيئا في عنقي ثم انساب السائل المحرق في عروقي ليذيب ما بقي فيها من دم. رباه!!!!! أهناك ألم علي الأرض مثل هذا؟؟ أسمعتم عن الفورمالين؟ من استنشقه قال انه يدمي العين ويسيل ماء الأنف وأنا حقنت به ووضعت في حوض مليء به. يقولون انه لحفظ الأنسجة. نعم .يحفظها لتشريحها وتقطيعها بعد ذلك .. فيالسخرية...لم أتمنى في حياتي أن يكون لي أهل مثلما تمنيت الآن ..لم أتمنى أن تكون السيارة أتت علي كل جسدي مثلما تمنيت ألان. ولكن ماذا تعني الأمنية لميت؟؟ماذا؟ تقولون أنى ميت لا أشعر؟؟تقولون انه لا يضير الشاه سلخها بعد ذبحها؟؟فعلا... لكني لست شاه أنا إنسان . وان كنتم لا تعلمون فاعلموا أنى اشعر بكل ما يفعل بحسدي. ربما اختلف مفهوم الألم ولكنه –راح أو جاء- ألم . والألم الأكبر هو شعوري بالمهانة بالرثاء لنفسي ولجسدي وما يفعل به. والله إن حياتي في الملجأ كانت اكرموحين بدأت دروس العملي أخرجوني من الحوض .لفوني في خرقة قماش اقل ما توصف أنها متسخة.كنت مستلقيا علي منضدة التعذيب-اقصد التشريح- حين بدأ الطلبة يتوافدون. رأيتهم ينظرون إلى بمزيج من القرف والاشمئزاز وكثير من صرخات اليااااع والاووووووه و رااائحة رهيبة.ولكن ما أثار دهشتي الحقيقية هو انهم كانوا يخافون مني وحقا لا ادري لذلك سببا .أ أنتم من تخافون مني يا من ستملكون المباضع والمشارط لتلهوا بها في جسدي المسجي علي المنضدة؟ترتسم علي وجوهكم نظرات الرعب مني أنا؟؟ أنا الذي لا حول لي ولا قوة لا أستطيع حتى رفع يدي لأدافع بها عن جسدي الذي لم اعد املك غيره؟؟و العجب العجاب في حالات الإغماء التي توالت لدي رؤيتي .آنسات. رقيقات. هشات. وكأني كومة قمامة –لا جسد إنسان- ليس لدي ذنب فيما آل إليه حالي.ولكن دعك من هذا فقد بدا المرح الحقيقي حين زال الرعب والاشمئزاز و الرهبة وحل محله الألفة والرغبة في التعلم.و حين بدا التمثيل-احم – اقصد التشريح - انتابني ذلك الشعور البغيض بالذل والمهانة . وأنا أرى جلدي يرتمي علي الأرض دون اهتمام.. أرى لحمي يقطع لأجل مزيد من التوضيح.. أري جسدي مكشوف أمام قطيع من البشر يتطلعون في فضول...ماذا يعرفون هم عن قلبي الذي بين يديهم أيعرفون لمن خفق؟ علي من قسي؟؟ لحمي الذي تحول إلى مصطلحات لاتينية مرعبة تليق بالمشعوذين اليونانيين القدامى؟؟يدي التي تحولت إلى كرة من اللحم الأسود الجاف هل يعرفون من ضربت؟؟ علي من ربتت؟؟لساني هل علموا ماذا فال؟؟ متي كذب متي صدق؟؟عيني كم مرة بكت؟فمي كم مرة ضحك؟قدمي إلى أين ذهبت؟لقد تحولت بفضلهم إلى مادة علمية صماء مثل أي كتاب.. لا جسد إنسان كان حيا في أحد الأيام..ليس لهم الحق في ذلك.ليس لهم الحق أن يتجاهلوا إنسانيتي الماضية. آه لو عدت إلى الحياة فسوف اعرف كيف انتقم. و لم أكد أتم تهديداتي الجوفاء حتى دخلت .كان لها سمت رقيق وعيون حانية لم أرها من قبل. جاءت بعد بداية العام الدراسي بفترة. و عندما رأتني لم يتقلص فمها اشمئزازا. لم يسقط قلبها رعبا. بل انحدرت علي خدها دمعة . و لمحت في عينها رحمة لم أتصور أني سأراها بعد ذلك. لمحت في يدها-التي ترتدي القفاز- ارتجافة و تردد. و علي شفتيها راحت تردد كلام لم أتبين كنهه. ولكني عرفته كانت تدعو لي و تقرا الفاتحة. كانت تنظر بهدوء طوال الدرس العملي. كانت بعد نهايته حريصة علي تغطية جسدي . كانت تنهر كل من يتعامل مع أنسجتي كقطعة من المطاط. كانت تردد لهم دائما انهم يجب أن يعاملوني كانسان أسدي لهم خدمة في أن سمح لهم القدر أن يدرسوا عليه.. و عند هذه الكلمة بالذات تغيرت نظرتي للأمر كله.بدلا من شعور الذل والمهانة شعرت بالفخر و العلو فلولا وجودي لكانوا حميرا في علم التشريح لاعتمادهم علي تلك النماذج الصناعية البائسة التي لا تجدي نفعا.لولا وجودي ستكون أول تعاملهم مع جسم الإنسان علي مريض حي سيكون ضحية لجهلهم الغير المتعمد.وهنا تخليت قليلا عن عدوانيتي –علي الأقل لقد أصبحت خبيرا في علم التشريح أفوق جراي نفسه-.ولكن لازال لي مطلب بسيط.. وهو نظرا لأنني سأظل علي هذا الوضع كثيرا .ارجوا بعض المعاملة اللائقة . بعض الاحترام لإنسانيتي الماضية. لست جمادا لا يشعر بل جسد ميت .وهناك فرق..كنت مثلكم في أحد الأيام. آكل واشرب. احب واكره. كنت مثلكم.كان يصيبني الرعب و الاشمئزاز و لربما الإغماء أحيانا أخري.وان كان إكرام الميت دفنه فأنا لم ادفن بعد بل ظللت في حوض فورمالين محرق. فقط بعد المعاملة اللائقة و جسدي لكم عن طيب خاطر.ولو كان هذا قدري فلن اعترض وأنا به ارضي. من يدري لربما كفر عن خطاياي حين كنت حيا اخطىء.والله خير الحاكمين.

Labels:

posted by sporeforminghuman at 11:35 AM

0 Comments:

Post a Comment

<< Home